الخميس، 7 يونيو 2012

قاعدة تَحْرِيمُ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ


 قاعدة تَحْرِيمُ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ
           الشيخ عبد السلام محمد الشويعر

قاعدة تَحْرِيمُ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾. إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ([1]).


المُحَرَّمَاتُ الأَرْبَعُ فِي الآيَةِ:
هَذِهِ الآيَةُ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
وَسُمِّيَتْ بِآيَةِ المُحَرَّمَاتِ الأَرْبَعِ الَّتِي فِيهَا أُصُولُ المُحَرَّمَاتِ وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَرْبَعَ مُحَرَّمَاتٍ:
فَبَدَأَ بِأَيْسَرِهَا عَلَى عَظِيمِ الجُرْمِ فِيهَا وَهُوَ: فِعْلُ الفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِعَظِيمٍ لَكِنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الأَوَّلِ وَأَشَدُّ وَهُوَ: الإِثْمُ وَالبَغْيُ عَلَى الغَيْرِ؛ لِأَنَّ المَرْءَ إِذَا اعْتَدَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الغَيْرِ مِنَ العِبَادِ، وَحُقُوقُ العِبَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى المُشَاحَّةِ، بِخِلَافِ حُقُوقِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى المُسَامَحَةِ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ الثَّالِثَ مِنْ أَسْبَابِ الظُّلْمِ وَهُوَ: الشِّرْكُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَبْلَهُ.
ثُمَّ خَتَمَ الآيَةَ بِأَعْظَمِ الذُّنُوبِ إِثْمًا وَأَشَدِّهَا جُرْمًا، أَلَا وَهُوَ: القَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وَلِذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَقَرَّهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: إِنَّ تَرْتِيبَ المُحَرَّمَاتِ فِي هَذِهِ الآيَةِ بَدَأَ بِالأَسْهَلِ وَخُتِمَ بِالأَشَدِّ إِثْمًا، وَهُوَ القَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وَهَذِهِ الآيَةُ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَكَّةَ قَبْلَ فَرْضِ الحَلَالِ وَالحَرَامِ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ جُلِّ الأَحْكَامِ.
وَالسَّبَبُ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ الأَرْبَعَ تَخْتَصُّ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا مِنَ المُحَرَّمَاتِ؛ فَأَوَّلُ هَذِهِ الخَصَائِصِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمُحَرَّمَاتِ الأَرْبَعِ:
أَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ الأَرْبَعِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالشَّرَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ فِي إِبَاحَةِ شَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ.
وَالأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ الأَرْبَعَ -وَأَشَدُّهَا القَوْلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ- كُلُّهَا مِنَ الشَّرِّ المَحْضِ الَّذِي لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَلَا يُدْرَى فِيهِ تَقْدِيرُ الأَصْلَحِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّرِّ المَحْضِ.
وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الخَصِيصَةُ الثَّالِثَةُ فَنَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ الأَرْبَعَ تَحْرُمُ مُطْلَقًا فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ ضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَهَذِهِ الخَصَائِصُ الثَّلَاثُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ المُحَرَّمَاتُ الأَرْبَعُ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا يَدُلُّنَا عَلَى عِظَمِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الأَرْبَعِ؛ لِذَا حَرَّمَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَكَّةَ قَبْلَ فَرْضِ الحَلَالِ وَالحَرَامِ.

حَصْرُ المُحَرَّمَاتِ فِي هَذِهِ الآيَةِ:
وَقَدْ نَفَى التَّحْرِيمَ عَمَّا سِوَاهَا؛ إِذْ مَفْهُومُ الحَصْرِ فِي الآيَةِ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ﴾. فَـ(إِنَّ) إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا (مَا) الكَافَّةُ تَكُفُّ عَمَلَهَا، لَكِنَّهَا تَجْعَلُهَا مُفِيدَةً لِلحَصْرِ.
فَمَفْهُومُ الحَصْرِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ، أَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الأُمُورَ الأَرْبَعَةَ لَيْسَ مُحَرَّمًا، وَهَذَا كَانَ فِي مَكَّةَ قَبْلَ فَرْضِ الحَلَالِ وَالحَرَامِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ نَقُولُ: إِنَّ القَوْلَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، بَلْ هُوَ أَخْطَرُ مِنَ الشِّرْكِ؛ وَلِذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الفُقَهَاءِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ الكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا.
نَعَمْ.. قَدْ لَا يُوَافَقُ عَلَى ذَلِكَ -كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الجُوَيْنِيُّ- لَكِنْ قَدْ قِيلَ بِهِ لِخُطُورَةِ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ إِذِ القَوْلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَكُونُ فِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا فِي القَضَايَا الخَبَرِيَّةِ وَالأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، وَإِمَّا فِي الأَحْكَامِ العَمَلِيَّةِ فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ.

الأَمْرُ الأَوَّلُ: القَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الأُمُورِ الخَبَرِيَّةِ وَالغَيْبِيَّةِ:
نَبْدَأُ بِالأَمْرِ الأَوَّلِ وَهُوَ القَوْلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي القَضَايَا الغَيْبِيَّةِ وَالأُمُورِ الخَبَرِيَّةِ، وَالقَضَايَا الغَيْبِيَّةُ وَالأُمُورُ الخَبَرِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الحَوَادِثِ قَبْلَنَا، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالحَوَادِثِ الَّتِي سَتَقَعُ بَعْدَنَا.
وَهَذِهِ الأُمُورُ الثَّلَاثُ كُلُّهَا مِنَ الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا القَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

أَوَّلًا: فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ:
وَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنَ الفِرَقِ فِي بَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، إِلَّا بِسَبَبِ قَوْلِهِمْ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَأَثْبَتُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشْيَاءَ لَمْ يُثْبِتْهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ أَنْكَرُوا وَأَوَّلُوا وَحَرَّفُوا أَشْيَاءَ أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَأَعْلَمُ الخَلْقِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ أَنْ يَنْفِيَ أَوْ يُؤَوِّلَ مَا أَثْبَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟!
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مِنَ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ -وَلَا شَكَّ- الاعْتِدَاءَ فِي إِثْبَاتِ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ لَهُ جَلَّ وَعَلَا؛ سَوَاءٌ مَنْ حَيْثُ التَّجْسِيمُ وَوَصْفُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ مِنْ حَيْثُ التَّأْوِيلُ وَالتَّعْطِيلُ، فَالكُلُّ سَوَاءٌ كَمَا قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَا أَوَّلَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ جَسَّمَ.
فَالمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الكَلَامِ كُلِّهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَوَّلًا الحَدِيثُ فِي ذَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا إِلَّا بِمَا جَاءَنَا مِنَ الوَحْيِ فَأَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ جَلَّ وَعَلَا، أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، لَا نَزِيدُ فِي ذَلِكَ حَرْفًا، وَلَا نُنْقِصُ مِنْهُ حَرْفًا.
ثَانِيًا: مَا حَدَثَ مِنْ أَخْبَارٍ قَبْلَنَا:
مِنَ المُغَيَّبَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الكَلَامُ وَالقَوْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ: مَا حَدَثَ مِنْ أَخْبَارٍ قَبْلَنَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَصَّ لَنَا مِنْ قِصَصِ آدَمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَخْبَرَنَا بَعْضَ خَبَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ نُصَدِّقُهَا وَنَأْتِي بِهَا عَلَى وَجْهِهَا.
فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَتَأَوَّلَهَا وَنَحْمِلَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، كَمَا قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ آدَمَ لَيْسَ أَبًا لِلبَشَرِ، وَإِنَّمَا البَشَرُ لَهُمْ آبَاءُ مُتَعَدِّدُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى آدَمَ، فَلِكُلِّ عِرْقٍ مِنَ البَشَرِ جَدٌّ يُدْعَى آدَمَ، وَقِصَّةُ آدَمَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا هِيَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلصِّرَاعِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ. وَهَذَا وَلَا شَكَّ قَوْلٌ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وَإِنَّ مِمَّا نُهِينَا عَنْهُ: أَنْ نَتَأَوَّلَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الأَخْبَارِ السَّابِقَةِ؛ وَلِذَلِكَ انْظُرْ كَيْفَ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -كَمَا فِي «الصَّحِيحِ»- لَمَّا أَخْبَرَ بِقِصَّةِ الخِضْرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، لَمَّا خَتَمَ القِصَّةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا»([2]).
فَالعِبْرَةُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَوْحَاهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثَالِثًا: مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ فِتَنٍ وَمَلَاحِمَ:
مِنَ المُغَيَّبَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الكَلَامُ فِيهَا إِلَّا بِعِلْمٍ: مَا سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ حَوَادِثَ وَفِتَنٍ وَمَلَاحِمَ وَمِحَنٍ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الأَئِمَّةَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةُ اللهِ كَانُوا يُشَدِّدُونَ وَ يُحَذِّرُونَ مِنَ الخَوْضِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ؛ فَقَدْ جَاءَ أَنَّ المُتَوَكِّلَ أَرْسَلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ يَسْأَلُهُ عَنِ المَلَاحِمِ الَّتِي تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ. أَيْ مِنَ المَلَاحِمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوَاجِبَ عَلَى المُسْلِمِ فِيمَا سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَعَلَامَاتِهَا، وَأَمَارَاتِهَا، وَفِتَنِ آخِرِ الزَّمَانِ وَمَلَاحِمِهِ، أَنْ يَقِفَ عِنْدَ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ.
وَلَكِنَّ البَعْضَ مِنَ النَّاسِ يَعْتَمِدُ عَلَى ضَعِيفِ المَنْقُولِ، أَوْ عَلَى وَاهِمِهِ وَمَكْذُوبِهِ، وَمَا أَكْثَرَهُ فِي الفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَآخَرُونَ تَكَلَّفُوا تَكَلُّفًا شَدِيدًا حَتَّى أَصْبَحُوا يُؤَوِّلُونَ النُّصُوصَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا. وَهَذَا -وَلَا شَكَّ- مِنَ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وَمَا قِصَّةُ هِرْمَجِدُّونَ -الَّتِي يَعْرِفُهَا الجَمِيعُ- وَغَيْرُهَا مِنْ كِتَابَاتِ المُعَاصِرِينَ، إِلَّا مِنْ هَذَا البَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَوْلٌ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالمُغَيَّبَاتِ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالمُغَيَّبَاتِ وَالقَضَايَا الخَبَرِيَّةِ.

الأَمْرُ الثَّانِي: القَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الأَحْكَامِ العَمَلِيَّةِ فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ:
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ العِلْمِ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى- أَنَّ القَوْلَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَحْكَامِ يَكُونُ بِفِعْلِ وَاحِدٍ مِنْ خَمْسَةِ أُمُورٍ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الخَمْسَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ قَالَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ:

الأَوَّلُ:تَفْسِيرُ نُصُوصِ الوَحْيَيْنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ:
وَلِذَا جَاءَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِنْ قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟!
وَلَمَّا سُئِلَ عُمَرُ خَلِيفَتُهُ عَنِ الآيَةِ نَفْسِهَا -وَهِيَ مَعْنَى الأَبُّ- قَالَ: وَيْحَ عُمَرَ وَأُمِّ عُمَرَ وَأَبِيهِ، إِنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَا يَعْلَمُ!
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الاجْتِرَاءَ عَلَى النُّصُوصِ بِتَفْسِيرِهَا مَذْمُومٌ وَلَا شَكَّ، وَلِذَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ التَّشْدِيدُ فِي تَفْسِيرِ نُصُوصِ الوَحْيَيْنِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

مَسْأَلَةُ تَفْسِيرِ غَرِيبِ الحَدِيثِ:
حَتَّى لَقَدْ رَوَى المَيْمُونِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، أَنَّهُ كَرِهَ تَفْسِيرَ غَرِيبِ الحَدِيثِ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَقَالَ لَا يُفَسِّرُهُ أَيُّ أَحَدٍ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ كَلَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُعْرَفُ تَفْسِيرُهُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
فَبَعْضُهُ يُعْرَفُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ؛ فَنَحْنُ جَمِيعًا إِذَا قُلْنَا: الحَمْدُ للهِ. نَعْرِفُ مَعْنَى كَلِمَةِ الحَمْدِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا يُعْرَفُ مِنْ غَرِيبِ كَلَامِ العَرَبِ وَوَحْشِيِّهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا عَرَفْتُ مَا مَعْنَى فَاطِرٍ: ﴿الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾([3]). حَتَّى اخْتَصَمَ لِي أَعْرَابِيَّانِ فِي بِئْرٍ؛ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا قَبْلَهُ. أَيْ: شَقَقْتُهَا.
قَالَ: وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَهْلُ العِلْمِ، الَّذِينَ نَظَرُوا فِي النُّصُوصِ فَلَمْ يَضْرِبُوا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَحَمَلُوا مُطْلَقَهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا، وَعَامَّهَا عَلَى مَخْصُوصِهَا، وَعَرَفُوا نَاسِخَهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا، ثُمَّ طَبَّقُوا دَلَائِلَ الأَلْفَاظِ بِفَحْوَى الخِطَابِ، وَلَحْنِهِ، وَمَعْنَاهُ، وَدَلِيلِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ الأَلْفَاظِ المَعْرُوفَةِ عِنْدَهُمْ.
قَالَ: وَجُزْءٌ رَابِعٌ اخْتُصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِهِ، فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ، سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الحَقِيقَةُ كَمَعْنَى: (الم). أَوْ مِنْ حَيْثُ الكَيْفِيَّةُ كَصِفَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَسَائِلِ.

الثَّانِي:تَصْحِيحُ الأَحَادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ:
هَذَا هُوَ الأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنَ القَائِلِينَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ: تَصْحِيحُ الأَحَادِيثِ عَنِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنَّهُ لَا يَحِقُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَحِّحَ حَدِيثَ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الأُمُورِ الخَطِيرَةِ، إِذْ عِنْدَمَا تَجْزِمُ بِأَنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ، فَإِنَّكَ تُثْبِتُ شَيْئًا لِلشَّرْعِ أَوْ تَنْفِيهِ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ فَإِنَّكَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ تَكُونُ مِمَّنِ اجْتَرَأَ وَتَقَوَّلَ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَا تَعْجَبُ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَمَا تَرَى الإِمَامَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الصَّلَاحِ -مِنْ أَشْهَرِ المُحَدِّثِينَ فِي زَمَانِهِ- صَاحِبَ «المُقَدِّمَةِ» يَذْكُرُ فِي مُقَدِّمَتِهِ: أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّصْحِيحِ لِلأَحَادِيثِ وَالتَّضْعِيفِ قَدِ انْقَطَعَتْ، وَأَنَّهُ لَا يَحِقُّ التَّصْحِيحُ وَالتَّضْعِيفُ لِأَيِّ أَحَدٍ، وَكَلَامُهُ هَذَا إِنَّمَا خَرَجَ مِنْهُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مَخْرَجَ التَّشْدِيدِ، وَلَيْسَ مَخْرَجَ المَنْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ -أَعْنِي أَبَا عَمْرٍو- فِي كِتَابِهِ «المُشْكَلُ الوَسِيطُ» -وَهُوَ مَطْبُوعٌ- صَحَّحَ أَحَادِيثَ وَضَعَّفَ أُخْرَى، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الحَافِظَ جَلَالَ الدِّينِ السُّيُوطِيَّ أَلَّفَ رِسَالَةً مَطْبُوعَةً فِي مَعْنَى كَلَامِ أَبِي عَمْرٍو: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّصْحِيحُ وَالتَّضْعِيفُ بَعْدَ القَرْنِ الرَّابِعِ، وَحَمَلَهُ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي هَذَا الأَمْرِ وَفِي هَذِهِ الفِعْلَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَحِّحَ أَوْ يُضَعِّفَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَرَى أَقْوَامًا يَجْتَرِئُونَ عَلَى أَحَادِيثَ تَتَابَعَ الأَئِمَّةُ عَلَى تَصْحِيحِهَا وَالعَمَلِ بِهَا، فَيَقُومُ بِتَضْعِيفِهَا لِمُجَرَّدِ هَوَاهُ، أَوِ العَكْسُ تَكُونُ أَحَادِيثَ فِي شِدَّةِ الضَّعْفِ وَالوَهْمِ فَيَقُومُ بِتَصْحِيحِهَا وَالاحْتِجَاجِ بِهَا، لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِرَغْبَةٍ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا مِنَ الأُمُورِ الخَطِيرَةِ.
نَعَمْ.. إِنْ كَانَ المَرْءُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَإِنَّ أَهْلَ العِلْمِ قَدِيمًا مَا زَالَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ أَحَادِيثَ وَحُرُوفًا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الحَافِظَ أَبَا الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أَلَّفَ كِتَابَ «التَّتَبُّعِ» فِي تَتَبُّعِ بَعْضِ الأَحَادِيثِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ، أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ بِالخُصُوصِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ الشَّهِيدِ وَأَبِي مَسْعُودِ الدِّمَشْقِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ الجَيَّانِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
المَقْصُودُ أَنَّ المَرْءَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ فِي مَسْأَلَةِ التَّصْحِيحِ وَالتَّضْعِيفِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ إِنَّمَا هِيَ وَظِيفَةُ أَهْلِ العِلْمِ، وَلْيَضَعْ خَشْيَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُرَاقَبَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى حَدِيثٍ صِحَّةً أَوْ ضَعْفًا.

الثَّالِثُ: الاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثٍ لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ:
هَذَا هُوَ الأَمْرُ الثَّالِثُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ المَرْءُ قَائِلًا عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ: عِنْدَمَا يَسْتَدِلُّ بِحَدِيثٍ لَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ: أَنَّ مَنِ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ لَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ، فَإِنَّهُ مِنَ القَائِلِينَ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، كَذَا نَصُّ الشَّيْخِ.
وَهَذَا حَقِيقَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَن حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّه كَذِبٌ -أَيْ: خَطَأٌ، الكَذِبُ بِمَعْنَى الخَطَأِ- فَهُو أَحَدُ الكَاذِبِينَ»([4]). وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ سِتِّينَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرَ، أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»([5]). فَمَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ كَذِبٍ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ، أَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى مَسْأَلَةٍ إِخْبَارِيَّةٍ -سَوَاءٌ مِمَّا مَضَى أَوْ مِمَّا يَلْحَقُ مِنَ الصِّفَاتِ- بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ، فَإِنَّهُ وَلَا شَكَّ مَمْنُوعٌ، وَمِثْلُهُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ وَلَا ضَعْفَهُ، وَهَذَا قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَمَا قَالَ: «إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ»([6]). فَهُنَا عِنْدَمَا أَبَاحَ لَنَا الشَّرْعُ التَّحْدِيثَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: لَا تُصَدِّقْ وَلَا تُكَذِّبْ. لِأَنَّهَا قَضَايَا خَبَرِيَّةٌ، فَنَكِلُ عِلْمَهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَاعْلَمِ القَاعِدَةَ المَشْهُورَةَ عَنِ العُقَلَاءِ وَفِي الفِقْهِ أَيْضًا: أَنَّ عَدَمَ العِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالعَدَمِ. فَعِنْدَمَا لَا تَعْلَمُ الصِّدْقَ مِنَ الكَذِبِ، فَيَبْقَى فِي مَجَالِ الخَبَرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ. 

الرَّابِعُ:مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَتَمْحِيصٍ:
أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ إِخْبَارِيَّةٍ أَوْ عَمَلِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ بَذْلِ وُسْعٍ مِنْهُ، أَيْ تَكَلَّمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ، وَمِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَلَا تَمْحِيصٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ فِي القُرْآنِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَصَابَ»([7]). وَإِنْ كَانَ فِي الحَدِيثِ عِلَّةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا حَقٌّ؛ فَإِنَّ المَرْءَ لَوْ قَالَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي القَضَايَا الإِخْبَارِيَّةِ، أَوْ فِي القَضَايَا العَمَلِيَّةِ، بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ بَذْلِ وُسْعٍ وَمِنْ غَيْرِ إِدَامَةِ نَظَرٍ، فَإِنَّهُ مِنَ التَّعَجُّلِ فِي الفَتْوَى وَمِنَ التَّعَجُّلِ فِي القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وَمَا زَالَ أَهْلُ العِلْمِ إِذَا سُئِلُوا مَسْأَلَةً جَعَلُوا السَّائِلَ يَنْتَظِرُ، حَتَّى إِنَّ إِمَامَ دَارِ الهِجْرَةِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ وَرِضْوَانُهُ، سُئِلَ مَرَّةً مَسْأَلَةً فَأَرْجَأَ السَّائِلَ أَيَّامًا تُجَاوِزُ الشَّهْرَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: لَا أَعْلَمُ.
فَالإِنْسَانُ إِذَا اسْتَعْجَلَ فِي إِجَابَتِهِ وَفِي فُتْيَاُه كَانَ ذَلِكَ مَذْمُومًا، إِلَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالمَسْأَلَةِ قَبْلًا بِأَنْ يَكُونَ قَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الحَوَادِثُ، وَنَحْنُ قُلْنَا بِالأَمْسِ: إِنَّ مَعْرِفَةَ الفُرُوعِ الفِقْهِيَّةِ تَجْعَلُ الَمَسَائِلَ تَمُرُّ، وَلِذَلِكَ إِذَا نَزَلَتْ بِكَ المَسْأَلَةُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَا تَسْتَعْجِلْ فِي إِجَابَتِهَا، بَلِ ارْجِعْ وَاسْأَلْ أَهْلَ العِلْمِ، وَنَاظِرْهُمْ وَذَاكِرْهُمْ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِعِكْرِمَةَ: إِنَّكَ إِذَا سُئِلْتَ عَنْ مَسْاَلَةٍ تَعْرِفُ الحُكْمَ فِيهَا فَأَجِبْ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفِ الحُكْمَ فِيهَا فَاْرجِعْ إِلَى أَهْلِ العِلْمِ فَاسْأَلْهُمْ. فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَقُلْ: لَا أَدْرِي. فَإِنَّهَا تَكْفِيكَ ثُلُثَيْ أَسْئِلَةِ النَّاسِ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِجَابَةُ ثُلُثَيْ أَسْئِلَتِكَ: لَا أَعْلَمُ. 

الخَامِسُ: أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الفُتْيَا وَالعِلْمِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ:
أَنْ يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي شَرْعِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا خَبَرًا أَوْ تَكْلِيفًا وَهُوَ غَيْرُ مُتَأَهِّلٍ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الفُتْيَا وَلَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالاجْتِهَادِ.
وَمَا جَاءَتِ المَصَائِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ إِلَّا حِينَمَا تَكَلَّمَ الرُّوَيْبِضَةُ مِنْهُمْ، وَقَالَ الجُهَّالُ فِي شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَاضُوا، حَتَّى لَقَدْ نُسِبَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ كُلَّ جَاهِلٍ سَكَتَ، مَا حَدَثَتْ فِي الإِسْلَامِ فِتْنَةٌ.
فَكُلُّ الفِتَنِ إِنَّمَا حَدَثَتْ لِأَنَّهُ قَدْ خَاضَ فِيهَا الجُهَّالُ، وَتَكَلَّمُوا وَقَالُوا فِي شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَهُمْ غَيْرُ مُتَأَهِّلِينَ لَا عِلْمًا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا عِلْمًا بِعُلُومِ الآلَةِ، وَلَا اسْتِظْهَارًا لَهَا.
وَقَدْ ذَكَرْتُ لَكُمْ بِالأَمْسِ أَنَّ الفُقَهَاءَ قَدِ اشْتَرَطُوا لِمَنْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ شُرُوطًا: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِآيَاتِ الأَحْكَامِ عَلَى الأَقَلِّ، وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بَلِ اللَّازِمُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلقُرْآنِ كُلِّهِ؛ إِذْ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا فِي الفِقْهِ بِطَرِيقٍ أَوْ بِآخَرَ، حَتَّى الأَخْبَارِ، بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَفَادَ بِدَلَالَةِ الإِشَارَةِ مِنْ بَعْضِ الأَخْبَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾([8]). وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾([9]). فَفَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فِي الحَمْلِ وَالرَّضَاعَةِ، فَإِذَا كَانَتِ الرَّضَاعَةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، فَالحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الإِخْبَارِ.
فَحَتَّى الآيَاتُ الخَبَرِيَّةُ يُسْتَفَادُ مِنْهَا بَعْضُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إِذَا عَرَفْنَا هَذِهِ الأُمُورَ الخَمْسَةَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ المُؤْمِنَ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَا غَايَةَ العِنَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي الاجْتِرَاءِ عَلَيْهَا وَتَجَاوُزِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَعْظَمَ الإِثْمِ وَأَشَدَّهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَلَا تَقُلْ: إِنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ يُفْتِي، وَسَأُفْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ. فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلَا يَجُوزُ قَلِيلُهُ مِنْ كَثِيرِهِ.

تَحَرُّزُ العُلَمَاءِ مِنَ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ:
وَقَبْلَ أَنْ أَخْتِمَ هَذِهِ القَاعِدَةَ أَوَدُّ أَنْ أُنَبِّهَ لِمَسْأَلَتَيْنِ:
المَسْأَلَةُ الأُولَى: أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى لَمَّا نَظَرُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنَ المَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَالحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَمِيُّ -وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِرْسَالٌ: «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ»([10]). فَبَالَغُوا فِي التَّحَرُّزِ مِنَ القَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَتَمَثَّلَ ذَلِكَ فِي أُمُورٍ مِنْهَا:

أَوَّلًا: مُبَالَغَتُهُمْ فِي التَّحَرُّزِ فِي أَقْوَالِهِمْ:
مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ تَأَدَّبُوا فِي أَلْفَاظِهِمْ حِينَ الفَتْوَى، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فَيَقُولُ: لَا تَقُلْ هَذَا حُكْمُ اللهِ، وَلَكِنْ قُلْ هَذَا اجْتِهَادٌ. إِذَا مَا وَضَحَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَتَحْرِيمِ الزِّنَا، وَتَحْرِيمِ السَّرِقَةِ، لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا حُكْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ القَيِّمِ فِي «الإِعْلَامِ». وَاسْتَدَلُّوا بِمَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبُرَيْدَةَ: «أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا»([11]).
فَالإِنْسَانُ يَجْتَهِدُ فِي لَفْظِهِ -مُفْتِيًا كَانَ أَوْ مُخْبرًِا- فَيَقُولُ: هَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادِي.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: أَيْ مِنْ شِدَّةِ اجْتِهَادِهِمْ فِي الأَلْفَاظِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ بَالَغَ أَكْثَرَ، فَكَانَ يَقُولُ: لَا تَقُلْ: أَحَلَّ اللهُ. وَلَا: حَرَّمَ اللهُ.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُلْ: أَحَلَّ اللهُ. فَيَقُولَ اللهُ: كَذَبْتَ، لَمْ أُحِلَّهُ. وَلَا تَقُلْ: حَرَّمَ اللهُ. فَيَقُولَ اللهُ: كَذَبْتَ، لَمْ أُحَرِّمْهُ.
وَلَمَّا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ: كَانَ الفُقَهَاءُ المُتَقَدِّمُونَ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ يَتَحَرَّزُونَ فِي أَلْفَاظِهِمْ أَشَدَّ التَّحَرُّزِ؛ فَإِذَا رَأَوْا فِي مَسْأَلَةٍ خِلَافًا عَبَّرُوا عِنْدَ التَّحْرِيمِ بِالكَرَاهِيَةِ، وَإِذَا رَأَوْا فِيهَا نَظَرًا لِأَهْلِ العِلْمِ قَالَ: لَمْ يُعْجِبْنِي. وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الإِمَامِ مَالِكٍ، وَفِي كَلَامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ.
هَذَانِ تَحَرُّزَانِ فِي الأَلْفَاظِ، أَشَارَ إِلَيْهِمَا ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي «إِعْلَامِ المُوَقِّعِينَ»، وَأَطَالَ فِيهِمَا. فَمَنْ رَجَعَ إِلَى كَلَامِ العَلَّامَةِ ابْنِ القَيِّمِ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ مُوَفٍّ وَلَا شَكَّ.

ثَانِيًا: أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَبُّونَ طُلَابَ العِلْمِ عِنْدَهُمْ عَلَى قَوْلِ: لَا أَدْرِي.
حَتَّى لَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَمَالِكُ الإِمَامُ: مَنْ تَرَكَ قَوْلَ: لَا أَدْرِي. فَقَدْ أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ. وَكَانَ الشُّعَبِيُّ يَقُولُ: إِنَّ قَوْلَ العَالِمِ: لَا أَدْرِي. نِصْفُ العِلْمِ. وَسُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: لَا أَدْرِي. فَلَأَنْ تُوَرِّثَ طُلَّابَكَ لَا أَدْرِي -يَعْنِي تُعَلِّمَهُمْ قَوْلَ لَا أَدْرِي- خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُعَلِّمَهُمْ عِلْمًا كَثِيرًا.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ المَرْءَ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يُرَوِّضَ نَفْسَهُ عَلَى هَذِهِ الكَلِمَةِ، وَيُرَوِّضَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ، وَمَنْ يُجَالِسُهُ وَيُذَاكِرُهُ،عَلَى هَذِهِ الكَلِمَةِ، وَلْيَتَذَكَّرْ مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ كُلَّ مَنْ أَفْتَى فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنْهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ.
وَلِذَلِكَ جَاءَ أَنَّ الشُّعَبِيَّ حَدَّثَ الأَعْمَشَ -وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الإِمَامُ أَحْمَدُ وَنَقَلَهَا عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ فِي مَسَائِلِهِ- بِهَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ الأَعْمَشُ: لَيْتَكَ أَخْبَرْتَنَا بِهِ قَبْلُ، لَكِنَّا قَدِ امْتَنَعْنَا مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَنْفِي بِهِ.
فَانْظُرْ كَيْفَ أَنَّ المُسْلِمَ وَطَالِبَ العِلْمِ يُذَاكِرُ أَخَاهُ وَيُنَبِّهُ مَنْ عِنْدَهُ عَلَى الانْتِبَاهِ لِكَلِمَةِ لَا أَدْرِي، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ جَاهِلٍ سَكَتَ مَا حَدَثَ فِي الإِسْلَامِ فِتْنَةٌ. 

ثَالِثًا: تَحَرُّزُ العُلَمَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الخِلَافِ:
وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالقَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ المَرْءَ كُلَّمَا زَادَ عِلْمُهُ قَلَّ إِنْكَارُهُ.
وَالإِنْكَارُ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ مِنَ المَسَائِلِ الَّتِي طَالَ فِيهَا الكَلَامُ، وَتَفَرَّعَ فِيهَا تَفَرُّعًا شَدِيدًا، حَتَّى نُزِّلَتْ فِي غَيْرِ مَا أًُرِيدَ مِنْهَا.
وَمُحَصَّلُ الكَلَامِ فِيهَا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ فِي «بَيَانِ الدَّلِيلِ» وَفِي غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِهِ:

لَا إِنْكَارَ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ الاجْتِهَادِيَّةِ:
يَجِبُ أَنْ نُقَيِّدَهَا؛ فَلَا نَقُولُ: لَا إِنْكَارَ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ. بَلْ نَقُولُ: لَا إِنْكَارَ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ الاجْتِهَادِيَّةِ.
فَكُلُّ خِلَافٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ؛ سَوَاءٌ مِنْ جِهَةِ القَائِلِ غَيْرِ المُتَأَهِّلِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ المَقُولُ بِهِ؛ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى حَدِيثٍ ضَعِيفٍ، أَوْ مُنْكَرٍ، أَوْ لَا دَلِيلَ قَوِيًّا يُعَضِّدُهُ.

أَنْوَاعُ الإِنْكَارِ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ الاجْتِهَادِيَّةِ:
الإِنْكَارُ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ الاجْتِهَادِيَّةِ عَلَى نَوْعَيْنِ: إِنْكَارٌ لِلقَوْلِ، وَإِنْكَارٌ لِلعَمَلِ.
وَانْتَبِهْ لِهَذِهِ المَسْأَلَةِ.

النَّوْعُ الأَوَّلُ: إِنْكَارُ القَوْلِ:
وَالمُرَادُ بِهِ مُبَادَلَةُ الحُجَّةِ بِالحُجَّةِ، وَتَضْعِيفُ القَوْلِ، وَتَضْعِيفُ مُسْتَنَدِهِ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ.
وَإِنْكَارُ القَوْلِ مَشْرُوعٌ بِإِجْمَاعِ الأَئِمَّةِ لَا خِلَافَ فِيهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَا مِنْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ إِلَّا وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الأَقْوَالِ الخِلَافِيَّةِ الاجْتِهَادِيَّةِ، فَإِنْكَارُ القَوْلِ لَيْسَ مَمْنُوعًا، وَمَا زَالَ أَهْلُ العِلْمِ يُقَارِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالحُجَّةِ وَبِالدَّلِيلِ وَبِالبُرْهَانِ، وَالمُنَاظَرَاتُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمْ.

النَّوْعُ الثَّانِي: إِنْكَارُ العَمَلِ:
وَالمُرَادُ بِإِنْكَارِ العَمَلِ أَنْ يَعْمَلَ شَخْصٌ بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ الخِلَافِيَّةِ، خِلَافُ الَّذِي تَرَاهُ، فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تَنْدَرِجُ تَحْتَ قَاعِدَتِنَا، فَنَقُولُ: لَا إِنْكَارَ فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ الاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالعَمَلِ.

شُرُوطُ إِنْكَارِ القَوْلِ:
الشَّرْطُ الأَوَّلُ: الَّذِي قُلْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ الخِلَافُ مُعْتَبَرًا،بِحَيْثُ لَا يَأْتِي شَخْصٌ بِخِلَافٍ بَاطِلٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ، نَقُولُ: قَوْلُكَ بَاطِلٌ فَنُنْكِرُ عَلَيْهِ.
إِذًا لَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ يُعْتَبَرُ، إِلَّا خِلَافًا لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ.
وَهَذَا إِنْكَارٌ لِلقَوْلِ
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ المَرْءُ قَدْ ذَهَبَ لِهَذَا القَوْلِ عَنِ اجْتِهَادٍ صَحِيحٍ، أَوْ عَنْ تَقْلِيدٍ سَائِغٍ، هَذَا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، فَرَجَّحَهُ لَيْسَ عَنْ هَوًى؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَرَى أَنَّ المَسْأَلَةَ فِيهَا هَوَى.
وَلْنَضْرِبْ مِثَالًا بَعِيدًا قَدْ يَرَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ المَبِيتُ بِمِنَى وَأَنَّ رَمْيَ الجِمَارِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْجِلٌ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ. فَنَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ عَنْ هَوَى، إذًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ رَأْيَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ صَحِيحٍ، أَوْ عَنْ تَقْلِيدٍ سَائِغٍ؛ كَأَنْ يَسْأَلَ شَيْخًا يَثِقُ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ، وَلَيْسَ مُلَفِّقًا فَيَأْخُذُ مِنْ فُلَانٍ مَا أَعْجَبَهُ، وَمِنْ فُلَانٍ آخَرَ وَهَكَذَا.
وَلِذَلِكَ فَالإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ لمَاَّ سُئِلَ عَنِ لُبْسِ جِلْدِ الثَّعْلَبِ قَالَ: إِنَّهُ حَرَامٌ. فَقِيلَ: أَنُنْكِرُ عَلَى مَنْ لَبِسَهُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مُؤَوِّلًا فَلَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَأَنْكِرُوا عَلَيْهِ. 

رَابِعًا: إِلْزَامُ المُفْتِي وَتَخْوِيفُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ عِقَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
وَهَذَا مِنْ مُبَالَغَةِ أَهْلِ العِلْمِ فِي التَّحَرُّزِ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَأَلْزَمُوا المُفْتِي إِضَافَةً إِلَى مَا يَكُونُ مِنْ عِقَابٍ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّ أَجْرَأَ النَّاسِ فُتْيَا أَجْرَؤُهُمْ عَلَى النَّارِ. كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ، فَمِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ صَحَّحَهُ عَلَى إِرْسَالٍ فِيهِ وَانْقِطَاعٍ؛ بِنَاءً عَلَى المَعْنَى.
وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَلَامَ ابْنِ القَيِّمِ فِي «المَنَارِ المُنِيفِ» إِذْ قَالَ: إِنَّ مِنَ الأَحَادِيثِ مَا يَجْزِمُ القَاِرُئ لَهَا وَالنَّاظِرُ فِيهَا -مَعَ دُرْبَتِهِ فِي الأَحَادِيثِ نَظَرًا وَاعْتِبَارًا- بِصِحَّتِهَا. وَلِهَذَا فَإِنَّ هَذَا الحَدِيثَ مَعَ انْقِطَاعِهِ فَإِنَّ الشَّيْخَ ابْنَ بَازٍ كَانَ يَقُولُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ قَوِيٌّ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الفُقَهَاءَ أَلْزَمُوا المُفْتِيَ إِذَا أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَتَرَتَّبَ عَلَى فُتْيَاهُ ضَمَانُ شَيْءٍ، أَنَّهُ يَضْمَنُ هَذِهِ المُتْلَفَاتِ، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ:
لَوْ أَنَّ مُفْتِيًا أَفْتَى لِامْرَأَةٍ وَزَوْجِهَا بِانْفِسَاخِ العَقْدِ بَيْنَهُمَا، فَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَثَلًا المَهْرُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ فُتْيَاهُ هَذِهِ كَانَتْ بَاطِلَةً، فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
وَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ لِامْرِئٍ بِجَوَازِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لَا يَحِلُّ لَهُ، فَاسْتَهْلَكَهُ، أَخَذَهُ مِنْ مَالٍ آخَرَ بِحُجَّةِ مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ مَثَلًا، وَكَانَ إِفْتَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ.
وَقَدْ نَصَّ أَهْلُ العِلْمِ قَدِيمًا وَمُتَوَسِّطِينَ: عَلَى أَنَّ المُفْتِيَ إِذَا أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، كَأَنْ لَمْ يَبْذُلْ كَامِلَ وُسْعِهِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُؤَهَّلٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي فُتْيَاهُ. 

فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ:
وَقَبْلَ أَنْ نَنْتَقِلَ مِنْ هَذِهِ القَاعِدَةِ أَخْتِمُ بِكَلِمَةٍ مُهِمَّةٍ جِدًّا: وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالمُنَافِقِينَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ أَوْصَافًا كَثِيرَةً فِي المُنَافِقِينَ مِنْهَا: أَنَّ المُنْتَسِبِينَ لِلعِلْمِ قَدْ يَقَعُ فِيهِمُ النِّفَاقُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ، حَتَّى إِنَّهُ قَدْ رَوَى الفِرْيَابِيُّ فِي «صِفَةِ المُنَافِقِينَ» عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سُئِلَ: مَنِ المُنَافِقُ؟ قَالَ: هُوَ الَّذَِي يَصِفُ الإِسْلَامَ، يُحْسِنُ الكَلَامَ فِي الدِّينِ وَلَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهِ. وَقَالَ: إِنَّ المُنَافِقَ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ لَا يُغَادِرُ مِنْهُ أَلِفًا وَلَا وَاوًا، يَلُوكُهُ كَمَا تَلُوكُ البَقَرَةُ لِسَانَهَا.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجِعَ قَلْبَهُ فِي جَانِبِ النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ هُمْ طَلَبَةُ العِلْمِ بِالخُصُوصِ؛ فَجَاءَ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالحَاكِمِ –وَصَحَّحَهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ».
فَإِنْ يَكُنِ المَرْءُ فَصِيحًا فِي لِسَانِهِ، طَلْقًا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الرِّيَاءُ؛ إِذْ عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ المَرْءُ وَيَرْمُقُهُ النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَإِذَا كَانَ مُفْتِيًا فَتَكَلَّمَ فَأَفْتَى أَخَذُوا قَوْلَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَاسْتَنَدُوا بِمَا يُشِيرُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الرِّيَاءِ مَا لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي «بُسْتَانِ العَارِفِينَ» فَإِنَّهُ قَالَ كَلَامًا مُؤَدَّاهُ: أَنَّ العِلْمَ أَفْضَلُ مِنَ العِبَادَةِ وَلَا شَكَّ، فَإِنَّنَا نَرَى الكَرَامَاتِ تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي العُبَّادِ أَكْثَرَ مِمَّا تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي العُلَمَاءِ.
طَبْعًا هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ: هَلِ الكَرَامَةُ مِنْ شَرْطِهَا الصَّلَاحُ؟
وَالصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، فَقَدْ يُظْهِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَرَامَةً عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَاسِقٍ لِيُعِزَّ الدِّينَ، أَوْ لِيُقَوِّيَ إِيمَانَهُ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الكَرَامَةِ وَبَيْنَ الصَّلَاحِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّ العَالِمَ أَوِ الفَقِيهَ يُنْصِتُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَإِذَا أَفْتَى أَخَذُوا بِقَوْلِهِ، وَإِذَا أَشَارَ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ، فَيَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الرِّيَاءِ مَا لَا يَقَعُ عِنْدَ غَيْرِهِ.
أَقُولُ هَذَا لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنِ المَسْأَلَةِ، فَيَكُونُ قَائِمًا مَقَامًا عَالِيًا عَلَى مِنْبَرٍ، أَوْ فِي مُحَاضَرَةٍ وَنَحْوِهَا، فَيَسْتَحْيِي أَنْ يَقُولَ: لَا أَدْرِي. وَيَسْتَحْيِي أَلَّا يُجِيبَ، وَهُنَا تَأْتِي المُشْكِلَةُ، فَلَأَنْ يَعْتَادَ لِسَانُكَ هَذِهِ الكَلِمَةَ، خَيْرٌ أُلُوفًا مِنْ أَنْ تَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ، وَأَنْ يَكُونَ قَلْبُكَ قَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الرِّيَاءِ، فَتَقُولُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا لَا يَعْلَمُ.
فَلْيَقُولُوا مَا يَقُولُونَ، يَجِبُ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ –بِالخُصُوصِ- أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يُرَاقِبُ هُوَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا هُمْ تَبَعٌ، فَلَا تَهْتَمَّ بِكَثْرَةِ النَّاسِ، وَلَكِنْ رَاقِبِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سِرِّكَ وَعَلَانِيَتِكَ، فِي قَوْلِكَ وَعَمَلِكَ.
وَلِذَلِكَ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ السَّلَفِ، كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْتِيَ يَسْأَلُ اللهَ الإِعَانَةَ.


([1]) سورة الأعراف: 33.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن- باب { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً } (4727)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الفضائل- باب من فضائل الخضر عليه السلام (2380)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
([3]) سورة فاطر: 1.
([4]) أخرجه مسلم في المقدمة- باب وجوب الرواية عن الثقات (1/7).
([5]) أخرجه البخاري في كتاب العلم- باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم (108)، ومسلم في المقدمة- باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/7).
([6]) أخرجه أبو داود في كتاب العلم- باب رواية حديث أهل الكتاب (3644)، وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» (5052).
([7]) أخرجه أبو داود في كتاب العلم- باب الكلام في كتاب الله بغير علم (3652)، والترمذي في كتاب تفسير القرآن- باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه (2952)، من حديث جندب رضي الله عنه، وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» (5736)، وقال: «ضعيف».
([8]) سورة البقرة: 233.
([9]) سورة الأحقاف: 15.
([10]) أخرجه الدارمي في كتاب المقدمة- باب الفتيا وما فيه من الشدة (157)، وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» (147)، وقال: «ضعيف».
([11]) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير- باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها (1731)، من حديث بريدة رضي الله عنه.

هناك تعليقان (2):

  1. افضل شركة مكافحة حشرات فى جدة 0507385528
    نحن نحتل المركز الرائد بين الشركات التي تقوم بأعمال مكافحة الحشرات فلدينا أفضل أنواع المبيدات المتواجدة في الأسواق التي يمتد مفعول تواجدها مايقرب من" 10 " سنوات .. نحن نعتمد على أفضل المتخصصين من مهندسين و فنيين على أعلى مستوى مقابل أقل الأسعار فلا تتردد فى الإستعانه بنا.. نحن فى انتظارك الأن للقيام بكل ذلك و تحقيق أفضل مكافحة الحشرات والقوارض على الإطلاق
    شركة تنظيف خزانات بجدة
    خدمات ابادة الحشرات :
    تتشرف شركة صقور جدة لابادة الحشرات " افضل شركات اباده الحشرات " بأن يضع افضل خدمات اباده الحشرات, بين أيدي العملاء الكرام آملين ان نكون عند حسن ظنكم دائماً ونحيطكم اننا افضل شركات ابادة الحشرات في مصر في المجالات الآتيــة:-
    شركة تنظيف بالبخار بجدة
    ابادة حشرات :-
    1 - مكافحة الحشرات بجميع انواعها من حشرات زاحفة , حشرات طائرة , بافضل انواع مبيدات الصحة العامة المستخدم لـ ابادة الحشرات, فنحن معتمدين من وزارة الصحة لابادة الحشرات الزاحفة :- (الصراصير – النمل– جميع الحشرات الزاحفة و المنزلية - البراغيث ) بدون مغادرة المكان .
    شركة مكافحة حشرات بجدة
    2 - ابادة الحشرات الطائرة (الذباب– الناموس"الباعوض") بدون مواد سامة .
    3 - متخصصون في اباده الحشرات بجميع انواعها, .
    4 - نقدم افضل اباده حشرات, حيث ان شركة صقور جدة لإباده الحشرات و القوارض, يعتمد علي أفضل انواع مبيدات الصحه العامه المستخدمة في ابادة الحشرات, ولدينا افضل مهندسيين وفنيين علي درجة عالية من الكفاءة في مجال ابادة الحشرات وبضمان كتابي ( خبراء في مجال ابادة الحشرات ).
    شركة رش مبيدات بجدة
    5 - وحيث اننا افضل شركة اباده الحشرات في مصر, فنقدم لجميع العملاء والمهتمين بان يحصلوا علي بيئة صحيه خالية من الحشرات والامراض, ونقدم افضل عروض ابادة الحشرات بالضمان, وبأفضل اسعار اباده حشرات في مصر .
    6 - نضمن لكم اباده الحشرات, وابادتها ابادة فورية بدون مغادرة المنزل .
    7 - نقدم دائماً الافضل لعملائنا ونسعي الي رضاء العميل وذلك لان الثقة التي نكسبها عند عميلنا هي اكبر نجاح لنا في مجال ابادة الحشرات.
    شركة تنظيف منازل بجدة
    شركة تنظيف مساجد بجدة

    ردحذف