أصول اعتقاد أهل السنة
(
القصيدة الحائية في السنة )
للحافظ
أبي بكر عبدلله بن أبي
داود سليمان بن الأشعث السجستاني
( 230-316هـ )
اعتنى بها
بدر بن علي
بن طامي العتيبي
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فهذه قصيدة الإمام الحافظ أبي
بكر عبدالله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، والتي ضمّن فيها عقيدة أهل
السنة والحديث في أشهر مسائل الاعتقاد ، وجعل هذه القصيدة محنته ، حيث يمتحن بما
فيها من جاءه للرواية أو الصحبة ، فمن وافقه فيها قبله ، ومن خالف في شيٍ منها
رفضه ، وهذا من عظيم مبلغ حرصه على سلامة الصحبة ، وانتقاء الصحبة وتمحيصها :
طريقة شرعية سلفية .
وقد منّ الله تعالى عليّ منذ
ما يزيد على خمسة عشر سنة بحفظ هذه القصيدة وتكرار شرحها عشرات المرات لجموع من
الإخوان في دروسٍ عامة وخاصة ، وأمليت عليها شروحاً عدّة غيرة مرة ، مرة في جامع
خادم الحرمين بالحوية ، ومرة في جامع الملك فهد بالطائف ، ومرة في دروسي العلمية
المقامة في دولة الكويت ، وعبر الهاتف في الجزائر وغير ذلك .
وقد شرحها جماعة من أهل العلم
: منهم أبو الحسين الآجري رحمه الله تعالى ، والعلامة السفاريني الحنبلي في شرح
طويل سماه " لوائح الأنوار السَّنية ولواقح الأفكار السُنيّة شرح قصيدة ابن
أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية " .
وهذه القصيدة ثابتة عن ناظمها
بالتواتر ، حتى قال الحافظ الذهبي في " العلو " : ( هذه القصيدة
متواترة عن ناظمها ) [ مختصر العلو : 229 ] .
وقد صح لي روايتها – ولله
الحمد - بأسانيد متعددة إلى خمسة من الآخذين عنه وهم الآجري وابن شاهين وابن شاذان
وابن بطة وأبو بكر الصفار .
ولكثرة المشيخة ولله الحمد ،
وتفاوت الرُّتَب ، ورجوع عامة الأسانيد إلى الأثبات المشهورة ، فإنني أختار من
الأسانيد بعضها ، ويوجد عندي غيرها مما هو أعلى ، ولكن اكتفيت بذلك لجمعه بين علو
المنزلة وعلو السند بالنسبة لغيرهم وفي كلٍّ خير .
فأقول : أخبرنا شيخنا العلامة
فقيه الحنابلة في وقته عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل قال أخبرنا شيخنا علي بن ناصر
أبو وادي .
ح وأخبرنا شيخنا شمس الحق
الملتاني عن أبيه الشيخ أبي محمد عبدالحق الملتاني .
ح وأخبرنا شيخنا عبدالغفار
حسن الرحماني وعبدالقيوم الرحماني كلاهما عن أحمد الله الدهلوي.
ح وأخبرنا شيخنا محمد إسرائيل
الندوي عن الشيخ عبدالحكيم جيّوري .
ح وأخبرنا شيخنا فيض الرحمن
المئوي عن أبي القاسم البنارسي .
كل هؤلاء [ أبو وادي
والملتاني والدهلوي وجيوري والبنارسي ] وغيرهم قالوا أخبرنا محدث الهند الشيخ سيد
نذير حسين الدهلوي قال أخبرنا محمد إسحاق الدهلوي عن جده عبدالعزيز الدهلوي عن
أبيه ولي الله الدهلوي صاحب "الإرشاد " قال أخبرنا أبو طاهر الكوراني عن
الشيخ عيسى المغربي عن أبي الحسن علي بن محمد المصري عن سالم السنهوري عن النجم
الغِيطي عن الزين زكريا الأنصاري عن الحافظ
ابن حجر العسقلاني عن أبي هريرة بن الذهبي عن والده الحافظ الشمس محمد الذهبي قال
: أخبرنا أحمد بن عبدالحميد أنبأنا محمد ابن قدامة سنة ثماني عشرة وستمائة أخبرتنا
فاطمة بنت علي ، أنبأنا علي بن بيان – أبو القاسم الرزاز - أنبأنا الحسين بن علي
الطناجيري أنبأنا أبو حفص بن شاهين قال : قال شيخنا أبو بكر
عبدالله بن أبي داود (1). ح .
ويرويه ابن قدامة عن أبي العباس
أحمد بن عبدالدائم بن نعمة المقدسي عن عبدالمنعم بن عبدالوهاب بن كليب الحراني أبي
الفرج عن علي بن أحمد بن بيان الرزاز به(2)
.
وكل من روى عن ابن عبدالدائم
بالإجازة يصح الاتصال بهم من طريقه إليها .
ح وبالإسناد إلى ابن حجر
أخبرنا أحمد بن أحمد بن محمد بن أبي المجد الحسيني عن محمد بن جابر الوادياشي عن
أبي العباس أحمد بن محمد ابن الغماز عن أبي الربيع سليمان بن موسى الحميري الكلاعي
عن أبي القاسم عبدالرحمن بن محمد الأنصاري الأندلسي عن عبدالحق بن غالب بن عطية
الغرناطي عن محمد بن فرج القرطبي مولى ابن الطلاّع عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن
جهور المرشاني عن أبي الحسين الآجري سنة ( 358هـ ) قال أنشدنا
أبو بكر بن أبي داود .
وبالإسناد إلى ابن حجر قال
أخبرنا إبراهيم بن أحمد التنوخي عن أبي العباس الحجار قال أخبرنا أبو العباس أحمد
بن يعقوب المارستاني الصوفي إجازة قال أخبرنا أبو المعالي محمد بن محمد الحريمي
العطار عُرف بابن الجبّان اللحّاس قال أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد ابن البسري
البغدادي البندار إجازة قال أخبرنا أبو عبدالله عبيدالله بن محمد ابن بطة العكبري
إجازة قال ابن بطة أنشدنا أبو بكر بن أبي داود .
ولي أسانيد أخرى إلى ناظمها .
قال أبو الحسين الآجري
[ الشريعة : 591 ] ، وابن بطة [ طبقات الحنابلة : 2/53-54 ] وابن شاهين
[ السنة :321-323 ] و [ مختصر العلو للذهبي : 228-229 ] وابن شاذان
[الحدائق الغنّاء : ؟ ] و أبو بكر الصفار [ تاريخ بغداد : 1/317 ] : قالوا :
( القصيدة الحائية في
السنة
)
أنشدنا أبو بكر ابن أبي داود ( عبدالله بن سليمان بن الأشعث
السجستاني ) هذه القصيدة من حفظه ، [ قال الآجري : في مسجد الرصافة يوم الجمعة
لخمسٍ بقين من شعبان سنة تسعٍ وثلاثمائة ] وجعلها
محنته
:
تمسكْ بحبلِ اللهِ واتَّبِــعِ الـهُدَى
ودِنْ بِكِتَــابِ اللهِ والسُّنَنَ الّـتي وقُلْ غَـيرَ مخْلُـوقٍ كَلامُ مَلِيكِنَـا ولا تكُ في اْلقــرآنِ بالوقفِ قائلاً ولا تقلِ : القـرآنَ خلق قــرانه وقلْ : يتجلىّ اللهُ للخلقِ جهــرةً وليسَ بمولـــودٍ وليسَ بوالـدٍ وقدْ يُنكـرُ الجهمـيُّ هذا وعنـدنا رواهُ جـريرٌ عنْ مقـالِ محمــدٍ وقـد يُنكـرُ الجهمـيُّ أيضاً يمينَـهُ وقلْ ينزلُ الجبـارُ فـي كلِّ ليلِـةٍ إلى طبـقِ الدنيـا يمـنُّ بفضِلِـه يقـولُ ألا مُستغفــرٌ يلقَ غافراً روى ذاكَ قـومٌ لا يُردُ حديثُهُـم وقُـلْ إنَّ خـيرَ الخلقِ بعدَ محمـدٍٍ ورابعُهُـمْ خـيرُ البريةِ بعــدَهم وإنهـمُ للـرَّهْطُ لا ريبَ فِيهُــمُ سعيــدٌ وسعدٌ وابنُ عوفٍٍ وطلحةٌ وقلْ خيرَ قولٍ في الصحابةِ كلِّهِــمْ فقدْ نَطَقَ الــوحيُ المبينُ بفَضْلِهِمْ وبالقدرِ الـمَـقْـدُورِ أيقـنْ فإنّه ولا تُنْكِــرَنْ جَهْلاً نَكِيراً ومُنْكَراً وقُـلْ يُخْرِجُ اللهُ العَظيمُ بِفَضْلِــهِ علــى النَّهرِ في الفِرْدوسِ تَحْيَا بمائِه وإنَّ رسولَ اللهِ للخلـقِ شافــعٌ ولا تُكْفِرَن أهل الصلاة وإن عَصوا ولا تَعتقـدْ رأي الخـوارجِ إنَّــهُ ولا تكُ مرجـيِّاً لعـوباً بدينِــهِِ وقـل : إنّما الإيمـانُ قـولٌ ونيّـةٌ وينقـصُ طـوراً بالمعاصـي وتارةً ودعْ عنـكَ آراءَ الرجـالِ وقولهِم ولا تكُ من قـومٍ تلهَّو بدينِهِــم إذا ما اعتقدتَ الدهرَ يا صاحِ هَذِهِ |
ولا تكُ بِدعيّــاً لَعَلّكَ تُفْلِـــحُ
أتتْ عَــنْ رَسُـولِ اللهِ تَنْجُوْ وتَرْبَحُ بِذَلِكَ دَانَ الأتْقِـياءُ وأفْصَحُـــوا كَمَـا قَالَ أتباعٌ لجِهـمٍ وأسجَحُوا(1) فإنَّ كَـلامَ اللهِ باللفـظِ يُوضَـــحُ كمَـا البدرِ لا يخَفَـى وربُكَ أوضَـحُ وليــسَ لهُ شِبـهٌ تعالى المسبَّــح بمصـداقِ مَا قُلنا حَـديثٌ مُصـرِّحُ فقلْ مثلَ مَا قَدْ قَالَ في ذاكَ تنجــحُ وكِلتَا يَدِيهِ بالفواضــلِ تـنــفَحُ بلا كيـفَ جلَّ الواحــدُ المتمَـدَّحُ فتُفْــرَجُ أبوابُ السماءِ وتُفتـــحُ ومُسْتَمْنِـحٌ خَــيراً ورزقاً فيُمنـحُ ألا خــابَ قومٌ كَذَّبُوهُمْ وقُبِّحـوا وزيراهُ قِــدْمْاً ثُم عُثمـانُ الأرجحُ علــيٌّ حَليفُ الخـيرِ بالخيرِ مُنـجحُ على نُجُبِ الفِردَوسِ في الـخُلدِ تَسْرحُ وعـامرُ فهـرٍٍ والزبيرُ المُمَـــدّحُ ولا تَكُ طَعْــاناً : تعيبُ وتجــرحُ وفي الفتـحِ(1) آيٌ للصحـابةِِ تمدحُ دِعامةُ عِقْـدِ الدّينِ والــدّينُ أفْيَـحُ ولا الــحَوضَ والميزانَ إنّكَ تُنْصَـحُ مِنَ النَّـارِ أجساداً من الفَحْـمِ تُطْرحُ كَحــبِّ حميلِ السيلِ إذ جاءَ يطفَـحُ وقُلْ في عــذابِ القبرِ حقٌ موضّـحُ فكُلُهمُ يَعْصِـي وذو العــرشِ يَصْفَحُ مقــالٌ لمن يهواهُ يُردي ويَفضــحُ ألا إنّما المُرجــيُ بالـدينِ يمزحُ(2) وفعلٌ علــى قولِ النـــبيِّ مُصبَّحُ بطاعته يُنمَــى وفي الوزن يرجــحُ فقولُ رسولِ اللهِ أزكـــى وأشرحُ فتطعنُ في أهْلِ الحـــدِيثِ وتَقْـدَحُ فأنتَ علــى خيرٍ تبيتُ وتُصْبِــحُ |
قال أبو بكر بن أبي
داود
: هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل رحمه الله ، وقول من أدركنا من أهل العلم
وقول من لم ندرك ممن بلغنا عنه ، فمن قال عليّ غير هذا فقد كذب .
قال أبو عبدالرحمن بدر
العتيبي
: وهو قولي ، وقول مشايخي أهل السنة ممن أدركتهم ، وممن بلغني النقل عنهم من قديم
الزمن ، عليه أحيا ، وعليه أموت بإذن الله تعالى ، ومن نسب إليّ غير هذا ، فقد كذب
.
(1)
من [ مختصر العلو : 228 ] .
(2)
من [ سماعات كتاب العقيدة لابن شاهين : 9-10 ] .
(1) أسجحوا من
السّجَحْ ، ويراد به هنا التمويه من سجحتُ له بالكلام أي عرّضت بمعنى من المعاني [
لسان العرب :2/475 ] .
(1) قال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ، وقال تعالى : ( مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )
(2) قال
إبراهيم النخعي : لفتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة ، تركت
المرجئة الدين أرق من ثوب سابري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق